الجينار أو الخَلايا المُنتَحِرة


                الجينار أو الخَلايا المُنتَحِرة




سِخِرَ بعْضُهُم من "شِلْحْ" أنَّ لهُ زَبيبَةَ صَلاه على جنْبِ جبْهتِهِ عِوَضَ وسَطِها, لا غَرابةَ إنْ تصَوّرْتُموهُ ساجِداً و عيْنُهُ على صُنْدوقِ النُّقود...
هيَ نُكْتة مُتداولة لتُبْرِزَ بُخْل فئة, مُسْتنِدةً على أثر السُّجود في الْجِباه, فقد غدا هذا الأثَرُ مُمَيِّزاً للمُصَلِّين ألِفَهُ النّاسُ لِشُيوعِهِ في المُتَدَيِّنين رغْمَ أنْ لَيْسَ كُلُّ المُصَلّين لهُم "قُروحٌ" على جِباهِهِم, و ذلك أكْثرُ شُيوعاً في الرِّجال من النّساء, فهو "زَبيبَةٌ" أو "دِرْهَمٌ" أو علامةُ تقْوى أو انْتِماءٌ للفئة التي تعْلَمون......
فلِمَ الاهتمام بِهذا إذاً ؟ ربّما  لا يكترث بِهِ الكثيرُ من النّاس إلاّ من لهُ حِسُّ الفُضول و لا تمُرُّ بِهِ المُسْتجدّاتُ مرّ الكِرام, لِأنّهُ كذلك, أمرٌ لمْ يكُن شائعاً من قبل, فاسأَلوا السّابقين من حولِكُم كما فعلْتُ.


لي صديقٌ محْترِف إخراج الأفلام الوثائقية, عرَفَ اهْتِمامي بالموْضوعِ و كذلك حدْسي الغريب في شرْحِ أسبابِهِ, كُنْتُ و إيّاهُ على طاولةِ عَشاء في بيتِهِ, بِصُحْبةِ صاحِبتِهِ و كذلك ضيْفان آخران, مُقدّمة سابِقة للقناة الثانية وأخٌ لها ضرير, نَحَى الحِوارُ صوبَ التّديُّنِ و التّطرُّف و زبيبة الصلاة, طلب مُضيِّفي شرْحي الطّريف لهذه الظّاهرة المُمَيِّزة للمتطرّفين :

" انْتبِهوا لهُ, مُقاربَتُهُ لا تخْلو من ذكاء "  
  
قُلْتُ : " السُّجودُ يُمكِّنُنا من التّخلُّص من القِوى السّالِبة حين توضعُ الجِباهُ على الأرضِ, مثلما تتخلّصُ          ثلاّجتُكَ أو غسّالتُك ذات المنْفذ (الكايبل) الثلاثي الخيوط من الفائض الكهرو ستاتي, أحدُ هذه الخيوط للتأريض (الأرض)…Branchement terre

بعْضُ النّاس "مُقاومون" لِتَدفُّق التِّيّار, يحْصِلُ من ذلك تماسٌّ في مُسْتوى الجبْهة تموت منه خلايا الجلْد السطْحية, عديمة النّواة, تتفجّرُ هُنالِكَ مُنْتحِرةً في وسطِ إخوتِها, لِيتكلّسَ السّوادُ هناكَ فتزْداد المُقاومةُ حتّى يستحيلَ التّخلّص من ...حال الضحكُ دون تتمةِ هذه المُقاربةِ الغرائبية.


يرجعُ هذا إلى سنة 2013, في أوج الظّاهرة الدّواعِشية, اهتمامي بالموضوع أقدم من ذلك, مهنتي ساهمت في تمكيني من "مراقبة" المصلّين في عديد من المساجد في مختلف أنحاء البيضاء, متخفِّياً وراء نظّارات سود, أسترِقُ البصر إلى الجِباه "المُحْترِقة" مع تزويجها مع العيْنيْن في إطارٍ وهْمي, كما يفعلُ المخرجين السينمائيين حين يجمعون سبّابة كُلِّ يدٍ مع إبْهام اليدِ الأخْرى كأنّه إطار كاميرا وهمية لِتحْديد زاوية التصْوير, الغاية هو التركيز على "النّظر" و العين, أليست العين مرآة الرّوح ؟ كأنّي أتوقُ إلى النّفادِ إلى روحِ هذا "المقْروحٍ" لأنظر في دواخِلِهِ, أهو أتقى من الآخرين أم به عِلّة نفْسية, أم مجرد باكتيريا نمت في رطوبة السّجّاد داسته أرجُلٌ مُتوضِّئة, فانتقلت و عشّشت في جباه هؤلاء البؤساء ؟
لم هم بُؤساء ؟ صعب عليّ التدليل على هذا و لكن أغْلبُ حالي حين التركيز في تلكُمُ النّظرات و الجباه, شعوري بالمعاناة المطلّةِ من تلْك الفوّهات.



أكثر معارفي الذين شاركتهم اهتمامي بِ "بدينار الصّلاة" يقولون أنّي أفرطت الوثوق بِحدْسي, المسألة مجرّد ظاهرة فيزيولوجية لها علاقة بالباكتيريا أو إفراط ضغط على الجبهة أو…أو…أو..

بحت في الويب, كلّ هذه المقاربات موجودة و مفصّلة, لن أتطرّق لها في بحتي هذا, و لكن أركِّزعلى ما أجْمع عليه جلّ من شاركتهم تساؤلاتي, إنّها " الغرابة " عند من يتفرّس في الظاهرة.
هكُمُ بعضُها :


(*) الظاهرة شائعةٌ في الرّجال و هي شبه غائبة في النّساء.
(*) اسألوا الشُّيوخ, لم تكن شائعة في الماضي القريب, السّتينيّات مثلاً, تصفّحوا صور أحِبّائكم.
(*) تظهر في جبهة شابٍ حديث عهد بالالتزام و ليست عند أبيه الذي لم تفته صلاة قطّ.
(*) تظهر عند ِبعْضِهم على مستوى منبت الشعر فوق جبهته حيْثُ لو سجد على هذه المنطقة لنَظَرَ خلْفهُ
         بين رِجْليْهِ كأنّه يُراقِبُ حِدائه كيْ لاّ يُسْرق, الغرابة أنّها في غير مكان التّماس مع السجّاد.
(*)   ما الفرق بين أسامة بن لادن و ايمن الظواهري, الأول جبهته صافية و الثاني "مزْبُوبْ"





هذا ما يحضرني الآن, سؤال: هل من بداية تاريخية لهذه الغرابة ؟ 

 


                   ذو الخُوَيْصرة الخوارِج و علي (ض)




كتاب "تلبيس إبليس-ابن الجوزي البغدادي-صفحة 88 : " أولُ الخوارج و أقبحُهم ذو الخويْصرة ..."
ملخّص القصّة أنّ رسول الله قسم مالاً فأعْطى منه أناساً فوجد من ذلك بعْضاً ممّن حضر القسمة ....
" فقال رسل الله (ص) ألا تأْمَنوني و أنا أمين من في السّماء يأتيني خبَرُ السّماء صباح مساء ..ثمّ أتاه رجُلٌ غائِرُ العيْنيْنِ مشرِفُ الوجْنتين نَاتِئُ الجَبْهَةِ كثُّ اللّحيةِ مشمّرُ الإزار محلوق الرّأسِ فقالَ :
اتّقِ اللهَ يا رَسول الله, فرفع رأْسَهُ إليْهِ فقالَ ويْحكَ أليْس أحقُّ النّاس أن يتّقي الله أنا ؟....
ثمّ أدبرَ فقال خالد يا رسل الله ألا أضرِبُ عنُقه ؟ فقال رسول الله (ص) فلعلّهُ يكونُ يُصلِّي فقال إنّهُ رُبّ مُصلٍّ يقولُ بلِسانِهِ ما ليس في قلْبِهِ...إنّي لمْ أومرْ أن أنقِب عن قُلوبِ النّاس و لا أشُقَّ بُطونهُم, ثُمّ نظر إليهِ النّبيّ وهو مُقْفٍ فقال سيجرُجُ من ضِئْضِئِ هذا قوْمٌ يقْرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم الرّمية.   (انتهى)
 وفي رواية أخرى :
 يَا مُحَمَّدُ اعْدِلْ ‏.‏ قَالَ: ‏"‏ وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ ‏"‏ ‏.‏ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضى الله عنه دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَقْتُلَ هَذَا الْمُنَافِقَ ‏.‏ فَقَالَ ‏"‏ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّي أَقْتُلُ أَصْحَابِي إِنَّ هَذَا وَأَصْحَابَهُ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ‏"‏ ‏. و في رواية : لَمْ أَرَكَ عَدَلْتَ !
هو عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذِي الْخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيُّ
وصف الرّاوي ذو الخُويْصِرة  وصْفاً دقيقاً و لاحظ أنّهُ  ناتِئُ الجَبْهةِ وفي رواية نَاتِئُ الْجَبِينِ ؟
أليس غريباً أن يذكر أمراً لوْ لم يكُن غيْر مْأْلوفٍ عِنْدهُ, أو غيْر شائِعٍ بيْن الصّحابة ؟
الغريب أيضاً الغُلُوْ و الجرأة (لَمْ أَرَكَ عَدَلْتَ !) لهذا "النّتُوء", لاحظوا هذا التّوافق بين الغلوّ والجُرأة بأهل الفضل و السِّمة المصاحبة.
مُلْحق لغوي:
                نَتَأت القَرْحَةُ: تورّمَتْ
      حَبْلٌ نَاتِئٌ : بَارِزٌ، بِهِ نُتُوء  و  النُّتُوءُ :شيءٌ بارزٌ؛ مرتفع بوضوح عمّا حوْله

            عبدالله ابن عبّاس و الخوارج أصحاب حاروراء...


جاء في كتاب "تلبيس إبليس" صفحة 89 ما يلي :
 قال عبد الله بن عباس إنه لما اعتزلت الخوارج دخلوا دارا وهم ستة آلاف وأجمعوا على أن يخرجوا على علي بن أبي طالب فكان لا يزال يجيء إنسان فيقول يا أمير المؤمنين إن القوم خارجون عليك فيقول دعوهم فإني لا أقاتلهم حتى يقاتلوني وسوف يفعلون فلما كان ذات يوم أتيته صلاة الظهر فقلت له يا أمير المؤمنين أبرد بالصلاة لعلي أدخل على هؤلاء القوم فأكلمهم فقال إني أخاف عليك فقلت كلا وكنت رجلا حسن الخلق لا أؤذي أحدا فأذن لي فلبست حلة من أحسن ما يكون من اليمن وترجلت فدخلت عليهم نصف النهار فدخلت على قوم لم أر قط أشد منهم اجتهادا جِباهُهُم قَرِحَةٌ من السجود وأياديهم كأنها ثَفَنُ الإبل وعليهم قمص مرحّضة مشمرين مُسهَّمهً وُجوهُهُم من السّهر فسلمت عليهم فقالوا مرحبا بابن عباس ما جاء بك فقلت أتيتكم من عند المهاجرين والأنصار ومن عند صهر رسول الله ﷺ وعليهم نزل القرآن وهم أعلم بتأويله منكم: فقالت طائفة منهم لا تخاصموا قريشا فإن الله تعالى يقول: { بل هم قوم خصمون } فقال اثنان أو ثلاثة لنكلمه: فقلت هاتوا ما نقمتم على صهر رسول الله ﷺ والمهاجرين والأنصار وعليهم نزل القرآن وليس فيكم منهم أحد: وهم أعلم بتأوله....
 هذه المرحلة الموالية, التّطرُّف بمرّ من شخصٍ إلى جماعة, إلى  فرقة و فكر: الخوارج, انبعاثهم فاجا الجميع, حتّى عليّ (ض) جاورهم أولاً, و صبر عليهم حين بادروا بالخروج عليه, وصلنا وصف ابن عبّاس لهم, دوّن لنا انطباعاته الأولية اتجاههم, لاحظ جِباهَهُم قَرِحَةٌ, و زادنا الأيْدي ربّما تعني الرُّكب أيضاً فهي كثُفَنِ الإبِل...
لو لم يستغرب ذلك ابن عبّاس ما ذكره, أليس كذلك ؟ فالغرابة قديمة قدم التطرّف, يالتطابق ()

 مُسهَّمهً وُجوهُهُم من السّهر :ظنّ ابن مسعود أنّهُ أثر الجهد و السهر, لما لا يكون ذلك لبُأْسهم النفسي ؟

اللغة :
 القُرْحَةُ  بياضٌ بين عيني الفَرس مِثْلُ الدِّرْهم الصغير فما دونَهُ
 قَرْحة    بَثرة دبَّ فيها الفسادُ، آفة تصيب الجلدَ أو الغشاءَ المخاطيّ
قَرِحَ الحيوانُ: كان في جَبهته  قُرْحَة،  وهي بياضٌ بقدر الدِّرهم فما دونه فهو  أَقرح
لاحظوا مصدر "الدرهم" في تسمية " زبيبة الصلاة ".
  



خلاصة :  
لا أدعي أن هذا بحت علمي, ما هو إلاّ حدس, كم من حقيقة علمية بدأت حدساً, السؤال الذي أطرحه و اتركه إلى أن تستوفى الشّروط الكافية في ان يشترك علم الاجتماع و علم النفس و كذلك الفيزيولوجيا لتتخطى -ر بما- طابوهات او المحظورات لدراسة هذه الظاهرة الغريبة المستجدة /القديمة :
هلْ هناك علاقة بين "زبيبة الصلاة" و التطرف ؟
هلْ هناك علاقة بين "زبيبة الصلاة" و الغلُو ؟
هلْ هناك علاقة بين "زبيبة الصلاة" و المرض النفسي ؟
هلْ هناك علاقة بين الجبهة المُقَرّحة و القلوب الحاقدة البغيضة ؟
يمكن أن تكون أشياء أخرى لم يشملها الحدس " اللعين " و لكن الأكيد أنّها ليست علامة الصلاح و التُّقى كما يدّعي الغافلون البعيدون كل البعد عن المحجّة البيضاء, الصافية كجِباهكم بلا زبيبةٍ أو عِنبة.

 إلى اللقاء.















Commentaires

  1. شكرا أخي Braver Taxidriver
    المهم هو جملة قلتها، لاحظوا الصور الأباء و الأجداد، ظاهرة جديدة وصلتنا من الأبناء و لا تظهر على النساء، رغم أن ظروف الصلاة كانت أكتر خشونة و أكتر خطورة عل الجلد ، يصلون على الحصيرة في المساجد و ليس الزرابي .
    كن على يقين أنها مصطنعة و لا علاقة لها مع اي تعفن بسبب السجاد.
    التعلم يأتي بحك الجلد كل يوم بمواد سامة، الحديدة الزرقة او الفاخر و حتى الكي بالسجارة.
    متعرف واحد شاب، درجات له في ظرف 3 أشهر. ههههه
    الغريب كما قلت في بعض الحالات تخرج في مكان مستحيل يمس الجبين عند السجود و الأكتر غرابة ان يكون نقطة او حفرة صغيرة كما لو كان يسجد على مسمار كبير. هههه

    Youssef Annouar
    Hyperkératose au front comme ça peut être au pied.

    RépondreSupprimer

Enregistrer un commentaire

Posts les plus consultés de ce blog

Christine la fée fêlée !

La modawana.

La mort.